الخميس، 26 يونيو 2014

العدو الخفي



هشام محمد سعيد قربان 

في ظَلام الليل الحالك يُهاجِمُك ذلك العدوُّ ويُباغِتُك بضربةٍ مؤلمة تبلُغ نِصالُها الأحشاءَ، والعجيب أنَّك تحسُّ بقُدوم هذا العدوِّ وتسلُّلِه إلى حصنِك، ولكنَّك تبتسمُ له؛ لأنَّك تظنُّه حَمَلاً وديعًا، وهو في الحقيقة ذئبٌ مُفتَرِسٌ مُختبِئٌ تحتَ جِلد الضَّأن، والأعجَبُ من ذلك أنَّ هذا العدوَّ يُهاجِمُك مَرَّاتٍ عديدةً وأنت تبتسمُ له في كلِّ مرَّة، وفوق ذلك فإنَّك تُبرِّئ ساحتَه، وتُشِيرُ بأصبع اللَّوْمِ والاتِّهام إلى مَن هم أبرياء من هذه الجرائم وإنْ كانوا أعداءً لك!

إنَّ هذا العدوَّ الخفيَّ يُراقبك في كلِّ وقت، إنَّه يتربَّصُ بك وينتظر منك الهفوة والكبوة، كيف تَفطنُ لوجود هذا العدو؟ وكيف تَراهُ على حقيقتِه؟ إنَّ هذا العدوَّ صعبٌ رؤيته، وليست هذه الصُّعوبة لأنَّه بعيدٌ وخارجٌ عن مَدَى بصَرِك، ولكنْ تصعُب رؤيتُه لأنَّه قريبٌ منك جدًّا، إنَّه أقرَبُ إليك من ظلِّك، إنَّه نفسُك التي بين جنبَيْك، تَوقَّفْ قليلاً ولا تتعجَّلْ في الحُكم على بَراءة نفسك، إنما أنت من عامَّة البشَر، ولقد أقرَّ بجرمِ نفسه مَن شرَّفه ربُّه بذِكر توبته في كتابه العزيز لتكون درسًا وعبرةً في النفس البشريَّة وأحوالها وتقلُّباتها من الضَّعف حين الاستسلام للوساوس وقوَّتها حين التوبة، يقول الله: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53].

ما أعجَبَ هذه النفسَ في عَداوتها لك وأنت تريدُ سَلامتها وتسعَى لخلاصها في الدارَيْن.

إنها تحبُّ الراحة، وتُزيِّن لك الكسلَ عن الصلاة والعِبادات، ولأنها تحبُّ المال والولد فإنها تدعوك للبخل والجبن الذي يخرسُ كلمةَ الحقِّ، ولأنها تحبُّ الحياة وتكرَهُ الموت - وهو حقٌّ - فإنَّك تجدها تنسيك العمل للآخِرة الباقية، وتشغلك بالحياة ومتاعها الناقص الزائل، ولأنها تحبُّ الثَّناء والحمد، فإنها تُوقِعك في شبك الرياء الذي يحبطُ العمل ويمحق الأجْر، ولأنها تحبُّ العجب بالنَّفس فإنها تسوقُك إلى الكِبر والاستعلاء، وتصمُّ أذنَيْك عن سَماع النصيحة والانتفاع بها، إنَّ نفسك الأمَّارةَ بالسوء عدوٌّ لك، فتذكَّر دومًا عَداوتها، واتَّهِمْها في الخطوات والخطرات، وخالِفْ هَواها تسلم، ولا تسمع نصيحتها الكاذبة.

اعرفْ عدوَّك، واعرفْ مَداخِلَه إليك تسلَمْ ويسلَمْ حِصنُك، وتذكَّر دومًا أنَّ حِصنَك ما هو إلا مُضغَة عجيبة إذا صلَحت صلَح الجسَدُ كلُّه، وإذا فسَدتْ فسَد الجسَدُ كلُّه، وخاب وخسر صاحبُها.


شبكة الألوكة


 تم النشر يوم  الخميس، 26 يونيو 2014 ' الساعة  3:58 ص


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق